إعتبارات فسيولوجية لتطوير القوة العضلية
05 Jan

إعتبارات فسيولوجية لتطوير القوة العضلية

 

ينسب إلى الأساطير الإغريقية أن شاباً يدعى ميلو (Milo) كان ينشد أن يصبح أقوى رجل على وجه الأرض، فبدأ منذ صغره برفع ثور صغير إلى مستوى الكتفين، ومرت الأيام والسنوات وهو يرفع ذلك الثور الذى يزداد وزناً وكبراً، وعندما إكتمل نمو الثور إستطاع ميلو أن يحوز على لقب أقوى رجل وأن يفوز كذلك ببطولة المصارعة فى القرن قبل الميلاد.

 

 

إن الأساس العلمى لبناء القوة العضلية عن طريق قاعدتى التدرج (Progression) وزيادة العبء (Over Load) لم يتغير منذ أيام ميلو الإغريقى، إن الأثقال وآلات رفع الأثقال فقط هى التى استجدت وحلت محل الثور منذ ذلك الحين.

 

إن قاعدة زيادة العبء (أو التحميل الزائد) تنص على أن التكيف الناتج وبالتالى الزيادة فى الإمكانية الوظيفية يكونان بحجم الحمل التدريبى، إن الإنقباض العضلى القريب من حد التوتر الأعلى (Maximum Tension)، أى القريب من الشدة القصوى، لهو المؤدى لزيادة قوة العضلات وحجمها، لذلك فتدريبات القوة التى لا تؤدى إلى تحميل العضلة حملاً زائداً (زيادة العبء) لا تقود إلى تحسن فى القوة العضلية ولا زيادة فى حجم العضلات، فالكثير من الدراسات العلمية توضح أن معدل تكوين البروتين فى العضلة له علاقة كبيرة بمعدل دخول الأحماض الأمينية إلى داخل الخلية والتى ترتبط إرتباطاً كبيراً بمقدار شدة التوتر العضلى ومدته.

 

ولأن الأثر الفسيولوجى للتدريب البدنى الناجم عن التنبيه يحتاج إلى وقت كاف ليتضح تأثيره، فإن أهمية القاعدة الثانية وهى التدرج تبدو للوضوح، فقاعدة التدرج تملى على الممارس بأن يزيد من الحمل التدريبى بشكل متدرج، بما يكفل حدوث تكيف فى العضلات ذاتها.

 

ولإعطاء مثال حى على ذلك، دعونا نتصور أن شخصاً ما يستطيع أن يرفع ثقلاً مقداره 100 كجم بصعوبة بالغة، ولنفترض أن هذا الشخص يريد أن يطور القوة العضلية لديه وينميها، فإذا استمر هذا الممارس فى رفع الثقل بإنتظام فإن العضلات  العاملة سوف تتأثر بالتنبيه الحاصل عليها (فى هذه الحالة من جراء وزن الثقل) وتبدأ تستجيب عن طريق حدوث تكيف فسيولوجى لتلك العضلات، لكن بعد مرور فترة من الزمن فإن هذا الحمل (الثقيل) يصبح ليس بالحمل الكافى لإحداث تكيف فسيولوجى أعلى، ويتحتم بعد ذلك أن يقوم الممارس بزيادة وزن الثقل حتى يرفع من حدة التنبيه اللازم لإحداث تكيف فسيولوجى على مستوى أعلى ومن ثم تحسين قوته العضلية.

 

وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة بين القوة العضلية وحجم العضلات، إلا أن من الملاحظ أن أقوى الرياضيين والذين هم من رياضيى حمل الأثقال ليسوا أكبر الرياضيين حجماً فى العضلات وأن أكبر الرياضيين حجماً في العضلات والذين هم رياضيى كمال الأجسام ليسوا بالضرورة أكثر الرياضيين قوة عضلية، وهذا يقودنا إلى أن السبب فى ذلك يعود إلى أن كلاً من رياضيى حمل الأثقال وكمال الأجسام يتبع برنامجاً تدريبياً يختلف عن الآخر، فالرياضيون فى حمل الأثقال عادة ما يتدربون بأوزان ثقيلة وتكرار قليل مع فترة راحة طويلة نسبياً بين كل جرعة وأخرى، بينما الرياضيون فى كمال الأجسام عادة ما يتدربون بأوزان أقل ثقلاً وتكراراً عالياً مع فترة راحة قصيرة بين كل جرعة وأخرى.

 

ولا ينبغى أن ننسى أن الإستعداد الوراثى يلعب دوراً كبيراً فى مدى إمكانية زيادة حجم العضلات كما يحدث فى رياضة كمال الأجسام، حيث تشير البحوث العلمية إلى أن الوراثة تسهم بدور كبير فى تحديد حجم العضلات ونوع الألياف العضلية لدى الإنسان، وكلا العاملين يؤثران بشكل ملحوظ على القوة العضلية.

 

وفى هذا الصدد، فإن تطور القوة العضلية لدى الفرد لا يحصل بدون وجود راحة كافية بين كل تدريب عضلى وآخر، حيث من المعروف أن إجراء تدريبات القوة العضلية العنيفة بشكل يومى بدون راحة سوف يؤدى إلى تدهور فى القوة العضلية لدى المتدرب فى اليوم التالى، فالعضلات تحتاج إلى راحة كافية حتى تتمكن من بناء البروتين المفقود من جراء التدريب العنيف، وبالتالى فإن القيام بتمرينات عضلية مجهدة فى كل يوم من أيام الأسبوع يؤدى إلى تدهور فى القوة العضلية ، وذلك لعدم وجود راحة كافية بين كل تدريب وآخر.

 

وفى الجانب الآخر، فإن القوة العضلية تتحسن وتتطور عند حدوث راحة كافية  تتراوح من 48 – 72 ساعة بين كل تدريب وآخر، مما يجعل العضلات تسترد قوتها وزيادتها بعد التدريب المجهد السابق، الأمر الذى يوحى بأنه ينبغى إجراء تدريبات الأثقال من أجل تقوية مجموعات عضلية محددة فى الجسم بمعدل ثلاث مرات فى الأسبوع، على أن أخذ راحة بين كل تدريب وآخر تزيد على ثلاثة أيام يقود إلى إنخفاض ملحوظ فى القوة العضلية المكتسبة من جراء تدريبات الأثقال.

 

ومن المعلوم أن تطوير القوة العضلية يمكن له أن يحدث من خلال تدريبات القوة العضلية (تدريبات المقاومة) بدون حدوث تغير ملحوظ فى حجم العضلة، وذلك من جراء زيادة توظيف وحدات حركية أكثر تعمل سوية للتغلب على مقاومة أكبر، ويحدث بعد فترة من تدريبات القوة العضلية زيادة فى التثبيط العصبى للعضلات المضادة (Antagonist)، مما يسمح بإنقباض أقوى للعضلات الشادّة أو المنقبضة (Agonist).

 

ولعل من المفيد للرياضى أن لا يكتفى بتطوير قوته العضلية فقط، بل عليه أن يمارس تدريبات القوة العضلية بسرعات عالية، من أجل محاكاة ما يجرى فى معظم الحركات الرياضية على أرض الواقع، الأمر الذى يساعد على حدوث التكيف العصبى العضلى المطلوب.

 

وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن تطوير القوة العضلية فى أى عمر، على أن مقدار القوة  العضلية المطلقة تنخفض أصلاً مع التقدم فى العمر، غير أن الأشخاص الذين يمارسون تدريبات القوة العضلية يمكنهم المحافظة على قوتهم العضلية إلى عمر متأخر مقارنة بغير المتدربين، ويعزى إنخفاض القوة العضلية مع التقدم فى العمر إلى إنخفاض مستوى النشاط البدنى للفرد وإلى تدنى حجم الكتلة العضلية مع التقدم فى العمر، ويعود السبب فى تدنى الكتلة العضلية مع التقدم فى العمر إلى إنخفاض قدرة العضلات على بناء البروتينات وفقدان الوحدات الحركية السريعة الخلجة مع التقدم فى العمر.

 

تدريبات القوة العضلية من أجل الصحة:

ظهرت فى العقدين الماضيين دلائل علمية تؤكد أهمية تدريبات القوة العضلية والتحمل العضلى لصحة الجهاز العضلى والهيكلى للإنسان، خاصة مع تقدمه فى العمر، لذا نجد أن الكلية الأمريكية للطب الرياضى والعديد من الجمعيات الصحية والعلمية الأخرى توصى بضرورة أن يتضمن برنامج اللياقة البدنية للشخص جزءاً موجهاً نحو تقوية العضلات الرئيسية فى الجسم، على أن الأمر لا يتطلب الإنخراط فى تدريبات عضلية شاقة كما هو الحال لدى الذين ينشدون بناء العضلات، بل أن مجموعة (جرعة) واحدة  أو مجموعتين من تمرينات التقوية العضلية تعد كافية لإكتساب القوة العضلية من أجل الصحة والمحافظة عليها، على أن تكون التدريبات بمعدل يتراوح من 8 – 12 تكراراً لكل مجموعة عضلية (أى إستخدام مقاومات ليست قصوى أو قريبة من القصوى) وأن تتم ممارسة هذه التمرينات من مرتين إلى ثلاث مرات فى الأسبوع، وأن تكون التمرينات تشمل المجموعات العضلية الكبرى من الجسم، ويمكن إستخدام أى نوع من أنواع المقاومات لتحقيق هذا الغرض، سواء كانت على هيئة أثقال حرة أو أجهزة تدريب أثقال أو تمرينات سويدية يتم فيها إستخدام وزن الجسم كمقاومة، أو الحبال المطاطية أو ما شابه ذلك.

Leave a comment